من الطبيعي جداً أنك إذا نظرت الى خريطة العالم , لن تستطع معرفة موقع لبنان من هذه الخارطة.هذا البلد صغير الحجم إذ تبلغ مساحته حوالي 10,452 كم2 ,وعدد سكانه يتراوح عدده بين 3 ملايين و نصف المليون نسمة ,وإذا ما كنت متابعاً للوضع السياسي الداخلي , لأيقنت أن حوالي المليونين قد شاركوا في مظاهرة الفريق السياسي ل 8 آذار, و المليونين أيضاً قد شاركوا في مظاهرة الفريق السياسي ل 14 آذار ,لا تستعجب ففي لبنان لا مكان للمستحيل.
في لبنان , حيث تكثر الطوائف و تقل الأديان , يطوف على مياه العكرة لوضعه الداخلي ,مفوم "المقدس" و التقديس , اي التأليه لزعيم معين و خط سياسي آخر , حيث لا يخطأ الشيوخ , ولا الحكماء ولا القادة ولا حتى البايكة .
لقد رافق المواطن اللبناني ولسنواتٍ طويلة ,وسواس قهري شخصه أهل الفكر و الشاخصون في العلم بأنه الطائفية , فالأخير لم يدع اللبناني يتعلم من كرايز الحرب الأهلية , ولا من اشباح إتفاق الطائف ولا حتى عوامة الدوحة .
من منا لا يذكر كتاب الجغرافيا الذي كان وما زال يدرس في المرحلة الإبتدائية الأخيرة " البروفيه",حيث كان للهجرة وجهاً إيجابياً ينعكس على الوضع الإقتصادي اللبناني و ذلك من خلال الأموال التي يرسلها المغتربين الى ذويهم في لبنان , و أثرها المعنوي أيضاً برفع إسم لبنان عالياً بين الدول ,يحاولون بفشل عبر المنهج الأكاديمي وضع هذه الصورة السخيفة في ادمغة الطلاب,معترفين استعباطياً بأن الأوضاع الإقتصادية اللبنانية لن تتحسن ,فاقتضى اختراع وجهاً إيجابياً للهجرة , كي يستطيع اللبناني السفر و بالتالي سد الديون المترتبة عليه منذ الولادة الى خزينة الدولة .
ولكن السؤال هل من الضروري أن تهجّروا ابناء الوطن , كي تذكرهم كتب الجغرافيا؟
في الدول الغربية , ودول العالم المتقدم ,تقوم الحكومات بإلهاء شعوبها عن الساسية , عبر الألعاب الرياضية و تقوم بتعيين موازنة خاصة متعلقة بالشق الرياضي, أما في لبنان فالطائفية هي الحكم في الملاعب, فمن منا ينسى مباريات الندين و الخصمين الدائمين ,النجمة و الأنصار , على الملعب البلدي "الذي سيصبح مولاً فيما بعد" , حيث كانت تكسّر الجوامع والملاعب و الكراسي و الرؤوس , في حالتي الفوز, و الخسارة على الرغم من أن الناديين ينتميان الى ذات الممول و الجهة السياسية.
ومن منا يسنى مباراة الحكمة و الرياضي على ملعب الرياضي في المنارة , حيث الهتافات لم تعد تنادي بإسم الفريقين , بل بإسم الزعيمين؟
أشهر من النار عالعلم, هي العبارة التي تغني الحديث عن لبنان و شؤون المواطن فيه , ولكن السؤال هل يستطيع اللبناني يوماً أن يستيقظ من جرعة الأفيون المفرطة , او من صندوق الغبن و الهمجية الذي يعيش فيه؟.
هل سيتعلم أن الدين لله و الوطن للجميع؟, وأن الطوائف نعمة و الطائفية نقمة؟,وأن كرامة الوطن من كرامة بنيه؟..نعم هي أسئلة وجودية توازي بأهميتها جواباً الأسئلة المتعلقة بالوجود , لماذا خلقنا و كيف نعيش؟...فهل سيتمكن اللبنانيون من الإجابة عليها, فماذا ستخسر, إذا لم تكن في الاصل تمتلك شيئاً؟.
من مفارقات الأرض أن بضعة كيلومترات تختصر في نفسها مشاكل تفوق مشاكل الشرق بأكمله!
ردحذفهل سيتعلم المواطن أن الدين لله و الوطن للجميع؟ هل سيتعلم أنه يجب القضاء على الطائفية؟ ربما.
و لكن للوصول إلى هذه النقطة، على لبنان أن يتحول إلى وطن، لا أن يبقى مؤسسة سياسية تتقاسمها طوائف متصارعة!
متى سيصبح لدينا وطن كما كل شعوب العالم؟!
تحياتي.